باتريك كوكبورن: بريطانيا تخوض صراعًا طائفيًا خطيرًا وانحدارها يبرز في البحرين

باتريك كوكبورن - موقع كاونتر بانش - 2017-01-05 - 10:00 م

ترجمة مرآة البحرين

تتملق الحكومة البريطانية الملوك المُطلَقين في الخليج، الذين تُعَزز سلطتهم بقطع الرّؤوس والجلد وغرفة التّعذيب، وهو أمر وضيع ومثير للشّفقة في آن معًا. إنّه مقياس على انحدار بريطانيا كقوة عظمى، فقط في البحرين الصّغيرة والسّيئة، حيث يقمع الحُكّام السّنة الغالبية الشّيعية، أن تتوقع تيريزا ماي استقبالًا ملكيًا.

ماي أضافت قطراتها القليلة الخاصة من السّم على الحرب الطّائفية المستعرة في المنطقة بين السّنة والشّيعة من خلال استهداف إيران. وقالت إنّها كانت "واضحة الرّؤية" فيما يتعلق بالتّهديد الإيراني لجمهور من الزّعماء السّنة الأصوليين في الخليج، والذين كانت كلمتا "إيران" و"شيعة" بالنّسبة لهم شيطانية ومترادفة.

في البحرين، اتّهم النّظام الملكي الانتفاضة الدّيمقراطية السّلمية في الرّبيع العربي في العام 2011 بأنّها مؤامرة إيرانية مُدَبّرة بعناية.

تحدّثت في العام ذاته إلى الأطباء الذين عملوا في مستشفى في وسط المنامة، عاصمة البحرين، حيث عالجوا المحتجين المُصابين. بعد سحق التّظاهرات بدعم من القوات السّعودية، تعرّض الأطباء للتّعذيب بوحشية لاستخدامهم قطعًا معقدة من التّجهيزات الطّبية التي أقنعت قوات الأمن البحرينية نفسها بأنّها الطّرق التي أعطت إيران من خلالها تعليماتها إلى المحتجين.

إنّه نموذج البارانويا الذي تغذيه ماي، على الرّغم من أن تحقيقًا مستقلًا لم يجد أيّ دليل على وجود تورط إيراني في حركة الاحتجاج.

عرض الحكومة البريطانية لرأي بوريس جونسون الذي يمكن برهنة صحته بأن السّعودية تشن "حروبًا بالوكالة" في الشّرق الأوسط عارٍ من الحقيقة على حد سواء.

لقد لعبت تركيا والسّعودية وقطر دورًا بارزًا في تمويل المتمردين المقاتلين المتطرفين في سوريا وتزويدهم بالأسلحة، كما أوضح الزّعماء الأمريكيون -بمن في ذلك الرّئيس أوباما ونائب الرّئيس جو بايدن، بالإضافة إلى الوثائق المُسربة.

التّدخل السّعودي في اليمن، حيث دمّرت الغارات الجوية بلدًا من 25 مليون نسمة، تختلف فقط عن التّدخلات الأخرى من حيث كون الدّور السّعودي علنيًا أكثر، ومعاناة الأشخاص كانت أكثر حتى.

الموقف البريطاني المُذِل والمَخزي في الخليج هو على الأرجح محاولة يائسة لإيجاد حلفاء جُدُد في الـسباق إلى بريكسيت. قد يبدو الآن وقتًا مناسبًا لفعل ذلك، بما أنّ الفائزين والخاسرين في الحروب التي اجتاحت سوريا والعراق على مدى السّنوات الخمس الماضية أصبحوا واضحين. الأثر المُفاجئ الوحيد للمُبادرة البريطانية هي أنّنا نبدو، كما فعلنا في العراق وأفغانستان، ننضم إلى الجانب الخاسر.

إنّها لحظة لاتخاذ القرار في سوريا حيث إن الجيش السّوري وحلفاؤه على وشك السّيطرة على شرق حلب، آخر معقل حضري كبير للمعارضة المُسَلحة. انتصارهم يعني أنّ الرّئيس السّوري بشار الأسد سيبقى في السّلطة، وهو أمر لم يكن أعداؤه الكثيرون يميلون إليه حتى الفترة الأخيرة. وعلى نحو غير مواكب لهذه التّطورات في أرض المعركة بشكل مثير للشّفقة، تظل السّياسة البريطانية تنص على أنّه يجب أن يرحل الأسد قبل أن يصبح التقدم السّياسي ممكنًا.

وقد حلت لحظة حاسمة مماثلة في العراق، على الرّغم من أن قوات الأمن تحرز تقدمًا أكثر بطئًا من التّقدم المُحرَز في حلب، بدحر داعش من الموصل إلى شرق نهر دجلة. تستخدم داعش فرقّا متنقلة من المقاتلين ذوي الخبرة، الذين يختبئون في شبكة واسعة من الأنفاق، ويدعمهم المئات من الانتحاريين والقنّاصة وفرق الهاون. خسرت قوات الأمن العراقية حوالي 2000 جنديًا في نوفمبر/تشرين الثّاني، وفقًا للأمم المتحدة، لكن القوة النارية المتفوقة والأعداد الكبيرة من الحكومة العراقية المدعومة من قبل قوات التّحالف الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ستتغلب على داعش على الأرجح على المدى الطّويل.

انتصارات الأسد وحكومة بغداد ستحدد المشهد السّياسي في الشّرق الأوسطى على مدى العقود المقبلة. استغرقت الحروب حتى الآن وقتًا طويلًا وكانت وحشية جدًا لأن سوريا والعراق وفّرا ساحة المعركة التي حسمت أكثر من ستة قوى من خلالها خلافاتها. ومنذ النّصف الثاني من العام 2011، كان تقدم وتراجع كل الأطراف في سوريا محددًا بكمية الدّعم الذي ستتلقاه من مؤيديها الخارجيين - تركيا والسّعودية وقطر للمتمردين وروسيا وإيران والعراق وحزب الله للأسد- من حيث الرّجال والأموال والأسلحة والذّخائر والضّربات الجوية.

إنّها حرب إقليمية ونتيجتها ستؤثر على المنطقة كلّها من باكستان إلى نيجيريا، ففضلًا عن كونها صراعًا طائفيًا، في المقام الأول ولكن ليس على سبيل الحصر بين السّنة والشّيعة، الأمر الذي سيؤثر على 1.6 مليار مسلم في العالم.

لكن كيف يمكننا التّأكد من أنّنا نشهد نقطة تحول في مثل هذه المعركة المُعقدة التي يشارك فيها عدد من اللاّعبين، مع مثل هذه المصالح المتباينة؟

داعش والمعارضة المسلحة في سوريا، التي تقودها جبهة النّصرة، التّابعة سابقًا لتنظيم القاعدة، تحارب في حملات مشابهة لحرب العصابات، والتي لا يساعد فيها ربح الأراضي أو خسارتها على معرفة من الرّابح أو الخاسر. التّغيير الحاسم في معركة شرق حلب سياسي في جوهره. النّصرة وأحرار الشّام والوحدات المقاتلة الأساسية تلقوا بعض المساعدة، الشّفهية أو المادية، من مموليهم في تركيا والسّعودية وقطر. وفي حال لم يدعم هؤلاء الثّلاثة المتمردين أثناء سيطرتهم على شرق حلب، فمن غير المرجح أن يقوموا بذلك بعد خسارتهم [المتمردين] إيّاها.

لطالما قلّلت الصّورة الرّومنسية لمقاتلين أبطال يقفون وحدهم في أي مكان في العالم  من قدر الدّرجة التي يعتمدون بها على القوى الخارجية.

من المحتمل أن يتمكن الأتراك والسعوديون من الحفاظ على مستوى منخفض من حرب العصابات ضد الأسد لفترة طويلة، لكنّهم قد يخاطرون بالتّعرض للانتقام من الحكومات المنتصرة من الجانب الشيعي.

قبل كل شيء، من بين الخاسرين في هذه الحرب، المجتمعات العربية السّنية في العراق وسوريا، التي هُزِمت في صراعها الطّويل مع الشّيعة والأكراد من أجل السّلطة.  المنفيون السّوريون والمتعاطفون معهم إعلاميًا يقللون من الطّبيعة العرقية والطّائفية للنّزاع، تمامًا كما فعلت المعارضة الكردية والشّيعية المنفية من العراق قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العام 2003 من أجل استدراج الولايات المتحدة إلى الإطاحة بصدام حسين. واشتكى لي صحافي سني من مدينة الرّمادي في العراق أنّه "سنكون الفلسطينيين الجدد"، قبل فترة قصيرة من تدمير 70 بالمائة من المدينة بسبب الضّربات الجوية الأمريكية وقصف المدفعية العراقية.

إيران هي رابحٌ في هذا النّزاع التّاريخي حتى الآن. لقد كانت الحليف الأساسي للأسد من العام 2011 إلى العام 2015 حين تدخلت روسيا عسكريًا من خلال قواتها الجوية. الخوف من الإبادة على يد  مقلدي داعش والقاعدة أجبرت الجماعات الشّيعية على أن تكون معًا، بمن في ذلك تلك ذات العقائد المتباينة.

عمومًا، كان العزم الإيراني والروسي على دعم الأسد دائمًا أعمق من عزم التّحالف المُعارض للدّول السّنية التي تقودها تركيا والسّعودية، التي حلت مكان قطر كداعم أجنبي رئيس للمتمردين السّوريين في العام 2013.

روسيا أعادت التّمركز كقوة، إن لم نقل قوة عظمى، من خلال الحرب السّورية. كان صراعًا نموذجيًا لموسكو لأنّ الأسد كان دائمًا أقوى ومعارضيه المحليين أضعف مما  كانوا يبدون عليه. لم يتوجب على الرّئيس بوتين أن يوظف موارد هائلة لإحداث تغيير حاسم. وعلى الرّغم من تشويه صورته [بوتين] كثيرًا في الغرب، إلا أن حماس الحكومات الغربية للتّخلص من الأسد انحسر بشكل كبير، حيث أصبح واضحًا أنّ البديل الوحيد  له [الأسد] كان داعش أو النّصرة.

الحكومات والجمهور في الشّرق الأوسط يميلون إلى المبالغة بشأن القوة الأمريكية في المنطقة أو التّقليل من أهميتها. في الواقع، يبقى موقف الولايات المتحدة قويًا، مع كل وحدة عراقية تقترب من الموصل بما في ذلك جندي أمريكي يدعو إلى الضّربات الجوية، في حين تقوم الولايات المتحدة بإدارة لوجستيات العملية بأكملها في الكواليس. في سوريا، كان تحالف الجيش الأمريكي مع القوات الكردية شبه-العسكرية عالي الفعالية في دحر داعش وإغلاق الحدود مع تركيا.

يبدو أنّ المسؤولين والدبلوماسيين البريطانيين يفقدون عقلانيتهم بشأن ما يمكن تحقيقه. منذ ما يزيد تقريبًا على العام، أعلن ديفيد كاميرون أنّ بريطانيا ستنضم إلى الحرب في سوريا ضد داعش بكل حماس هنري الخامس لدى وصوله إلى فرنسا قبل معركة أجينكورت. الأشهر التّسعة التّالية أثمرت فقط عن 65 غارةو جوية من قبل سلاح الجو الملكي البريطاني، الذي يفتقر إلى أهداف قابلة للتّحديد وإلى حلفاء على الأرض. وكما في العراق في العام 2002، وأفغانستان في العام 2006 وليبيا في العام 2011، فإن المطامح البريطانية العالية لأن تكون [بريطانيا] أكثر تأثيرًا في الخليج سوف تُعيقها المعرفة المحدودة والموارد غير الكافية.


النّص الأصلي    


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus